السؤال:
أخي الكبير يمنع أختي من دخول بيت العائلة الذي تعيش فيه أمي؛ لأنها تزوجت أحد الأقارب بعد علاقة ومقابلات سرية، وهي تجاوزت الأربعين ومعلمة تربوية، ولم يكن يمنعها من الزواج، ولكن لم يتم النصيب.
وهو يرفض هذا الزواج بسبب العلاقة التي كانت قائمة وأن الزوج لا يحمل أي مؤهل أخلاقي أو ديني، وحتى من ناحية النسب.
المشكلة أمي التي تعيش في ألم بسبب حرمان ابنتها من دخول البيت، وهو- أي أخي- يصر على موقفه ويقول: هذا هو المسلك الصحيح كي أحمي أفراد العائلة، وهي التي اختارت هذه الحياة ولن تدخل حتى لو ماتت أمها.
السؤال هل تصرُّف أخي صحيح؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم أولًا أختك العزيزة قد أخطأت خطأً كبيرًا عندما خالفت شرع الله سبحانه وتعالى وسمحت لنفسها أن تُنشئ علاقة غير شرعية مع شخص غريب عنها خاصة وأنه كما ذكرت لا يحمل أي مؤهل أخلاقي أو ديني، فهذا يعني أنه لن يتورع عن فعل أي شيء أو أي تجاوزات غير شرعية إذا تمكن من ذلك.
ومن العجب أن تقوم معلمة تربوية بلغت هذا العمر 40 عامًا- أي بالغة عاقلة راشدة- بمثل هذه العلاقات ولا تدرك أنها بذلك قد استهانت بربها ثم بأهلها وبنفسها عندما سمحت لنفسها أن تنتهك أحد حدود الله ثم عندما عرضت عِرضها وعِرض أهلها وأسرتها للمهانة والانتهاك.
عزيزتي.. بالنسبة لسؤالك هل تصرف أخي صحيح؟؟ فلا نستطيع الحكم على ما فعله أخوك من خلال هذه السطور فهناك أمور عدة وملابسات كثيرة تتعلق بعضها ببعض وهي التي تحدد لنا صحة ما فعله من عدمه ومن أهم هذه الملابسات والأمور ما هي نية أخيك عندما فعل ذلك؟ هل المسألة مكابرة وعناد وتسلط!! أم أنه تأديب وتهذيب ودفاع عن عِرضه ودينه وشرفه.. دفاع عن بقية أسرته!! إذا كانت المسألة مكابرة وعناد وتسلط فما فعله غير صحيح فإذا لمس التوبة والندم من أخته فعليه أن يسامحها فالإنسان يخطئ.. وخير الخطائين التوابون، والله سبحانه يغفر الذنب.. والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. وأعتقد أنها قد تعرضت إلى درسٍ قاسٍ وأرجو أن تكون قد تعلمت من الدرس. والمفروض أن لا يعالج الخطأ بخطأ أكبر وهو قطع النسب بين الإخوة، وقد يتعرض لغضب الوالدة الأم. أما إذا كان تأديبًا وتهذيبًا ودفاعًا عن بقية أفراد الأسرة فعليك أن تتذكري أنه عندما فرض الله سبحانه وتعالى القصاص بقطع اليد... أو القتل... أو... أو... فإن هذا الأمر سيكون بالتأكيد شاق وعظيم على من يُقام عليه الحد أو على أهله ومن يحبونه، ولكن من حكمة الله سبحانه وتعالى أنه عندما وضع القصاص فإنه يريد أن يتوب المذنب عن الذنب ولا يرجع إليه مرة أخرى، وليتعظ أيضًا مَن حوله فلا يقعون في هذا الذنب أو هذا الفعل.
فإذا وضعنا ذلك في الاعتبار سنجد أن أخاك لديه الحق كل الحق فيما فعله؛ لأنه لو تهاون في العقاب أو القرار الذي اتخذه تجاه أخته خاصة لو كان له بنات أو أخوات سيهون لديهن الأمر وقد يفعلن نفس الفعلة ويقعن في نفس الأمر لأن العقاب كان هينًا لينًا ولم يعاقب المسيء على فعلته.
أما ما فعله الآن فهو درس قاسٍ لأختك وعبرة لمن يعتبر وتحذير لكل من سولت لها نفسها أن تفعل نفس الشيء. ذكرت أنكِ تخافين على سمعة العائلة. ولم توضحي هنا هل من حولكم عرف بالقضية وأن أختك كانت على علاقة بزوجها الحالي قبل زواجهما أم لا؟ إذا لم يكن أحد يعرف أن هناك علاقة ومقابلات سرية بينهما فلا داعي لإعلان ذلك، ويمكن أن يعرف من يسأل عنها إذا لاحظ عدم وجودها أن أخاها غير راضٍ عنها وعن زواجها بسبب عدم التكافؤ بينهما وأن هناك سوء فهم بين الأخوين سيزول إن شاء الله مع الزمان.
أما إذا كان من حولكم يعرفون وهذا ما أعتقده لأن مثل هذه الأمور لا تخفى كثيرًا عن الناس فأنا أعتقد أن موقف أخيك موقف صحيح بل يرفع من شأن عائلتكم لأنه يثبت للجميع أنه لا يقبل بالفساد أو الرذيلة في أسرته، وإنكم من أهل الشرف ولا تقبلون وسطكم إلا الإنسان الشريف مهما كان.
السؤال الهام: ما موقف أختك من كل ذلك!! هل هي تعتقد أنها على حق! أم تُدرك أنها قد أخطأت! على أختك أن تقر أولًا بخطئها وبندمها أمام ربها ثم أمام نفسها وإخوتها وجميع أفراد عائلتها المقربين الذين يعلمون بالأمر. عليها أن تستغفر ربها وتتوب توبة نصوحة وتحاول أن تصلح ما أفسدته. عليها أن تلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ليساعدها في ذلك وتخلص النية له، وهو سبحانه الكفيل بذلك إذا صدقت نيتها وتوبتها لله. هل كانت تعتقد أن الأمر سيمر دون عقاب!! أعتقد أن الله يحبها لأنه عجل في عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة.. وهذا مؤشر جيد.. إن شاء الله.
والسؤال الثاني: كم مضى من الوقت على تلك المشكلة؟ فعامل الوقت مهم جدًّا؛ لأن المشاكل الرئيسية التي نواجهها لا يمكن حلها عند نفس مستوى التفكير الذي كنا فيه عندما تسببنا في إيجادها. لذا إذا كانت المشكلة قريبة الحدوث عليكم أن تتريثوا فترة من الزمن حتى تهدأ حدة انفعال أخيكم ويتمكن من الانتقال إلى مستوى تفكير آخر أعلى وأهدأ يمكنكم أثناءه إيجاد الحلول المناسبة. وفي تلك الأثناء يمكنكم الحد أو تخفيف أحزان والدتكم عن طريق إقناعها بأن ما فعله أخوكم هو عدل وأنه في مصلحتها وفي مصلحة الجميع وأنه ليس قرارًا جائرًا وأنه لن يكون مدى الحياة بإذن الله وإنما هو فترة زمنية وتنقضي. وأؤكد لكم أن والدتكم ستهدأ نفسيتها وستتقبل الأمر إذا ما غيرت طريقة نظرتها للأمر.. وهذا دوركم أنتم بالتأكيد. فيمكنكم مثلًا أن تعتبروا أختكم مسافرة خارج المملكة في زيارة طويلة للدراسة مثلًا.. وأنها ستعود بدرجة أفضل وأحسن (وهذا هو الواقع فهي الآن تتلقى العقاب والدرس المناسب لها والذي نسأل الله أن ترجع إليكم وقد تغيرت نظرتها للأمور وإدراكها للحقائق وترجع شخصًا آخر أفضل مما كانت عليه وتعرف أن من اتبع هواه لن يلقى إلا الذل والهوان، وتتذكر قول الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعـات: 40- 41]. يمكن لأختكم أن تكلمها بالهاتف من مكان إقامتها وكأنها تكلمها من خارج المملكة وتتواصل معها إلى أن يهدأ الأمر. ويمكن لوالدتكم أن تزورها في بيت زوجها أو تلتقي معها في أي مكان أو عند أي شخص ثقة من الأقارب أو الأصدقاء.. وليس من حق ابنها أن يمنعها من ذلك مهما كان. لكل إنسان مدخل.. ولكل شخص مفاتيح، فلابد أن تعرف أو أنتم تعرفون ما الذي أو من الذي يؤثر على أخيكم الأكبر وتحاولون أن تصلوا إلى هدفكم عن طريق ذلك المدخل شرط أن تخلصوا النية لله تعالى. يمكن لأختكم أن تحاول أن تتواصل مع أخيها بالرسائل التي تُلين القلوب والدعوات ولا تنتظر منه الإجابة عليها.. وعليها أن تواصل وتثابر وتتحمل كل ما ستواجهه في سبيل ذلك إذا كانت حريصة على أهلها إلى أن يلين قلبه تجاهها، والله سبحانه وتعالى قادر على كل شيء.
الكاتب: د. سلوى البهكلي.
المصدر: موقع المسلم.